آلهة قدماء المصريين

وصف الكاتب الإغريقي هيرودوت المصريين القدماء بأنهم "أقوى البشر تمسكاً بالدين"، لكنهم كانوا مشركين أي إنهم يعبدون آلهة عدة. وكانوا يعتقدون أن هذه الآلهة تملك العالم، وأنها ينبوع الرخاء الذي يعم مصر، لذلك فإن الشعب ينفق وقتاً وجهداً عظيمين في بناء المعابد الرائعة أو إعادة بنائها، وفي إقامة الطقوس الدينية، والمهرجانات المعدة بإتقان، كل ذلك في محاولة لإرضاء الآلهة. وكان مجموع الآلهة المعبودة في ذلك الزمن أكثر من 2000 إله، بما فيها الآلهة الأجنبية التي تُجلب بسهولة من سوريا على الأخص. وتبدو بعض الآلهة في الرسوم وفي التماثيل برؤوس بشر، وبعضها الآخر برؤوس حيوانات، لكن بعض هذه الآلهة لم تكن أكثر من أشكال مختلفة لآلهة أخرى، لأن لكل إقليم تشكيله الخاص أو "الآلهة المحلية". وعندما اتحدت مصر، امتصت المعبودات المحلية في ديانة الدولة وكان مركزها في "عين شمس" -هيليوبوليس- بمعنى مدينة الشمس، حيث كان يعبد إله الشمس باعتبار أنه أسمى الآلهة. وفي القرن الخامس عشر قبل الميلاد، حاول الملك إخناتون أن يبشر بالتوحيد أي الإيمان بإله واحد، لكنه لاقى مقاومة عنيفة من كل من الكهنة والشعب، حتى أعاد خليفته توت عنخ آمون تعدد الآلهة.

عبادة الشمس
عُبدت الشمس منذ الزمان المبكر في مصر كلها، كان رع إله الشمس رب السماء والخلق (فهو في الواقع الذي خلق نفسه)، وكان غالباً ما يصور في الرسوم برأس صقر، كرمز لقدرته على ارتياد السماء كالطائر، لكن رع لم إلهاً واحداً، إذ كانت له أشكال وأسماء عدة مقتبسة من الآلهة المحلية. وكان "حورس" أحد هذه الأشكال. وكان إتوم في صورة آدمي شكل آخر وهو إله الشمس الغاربة، أما رع ورع-أتوم أو آمون فكان يمثل الشمس في أقصى ارتفاعها. وكان رع وأسرته يشكلون مجموعة من تسعة معبودات تسمى "التاسوع" ولقد احتفظت جميعها بسماتها حتى نهاية الحضارة المصر، أما أبناء إله الشمس فكانوا "شو" إله الهواء، و"تفنت" إلهة الضباب، و"جب" إله الأرض، و"نوت" إلهة الليل، وأبناؤهم "أوزيريس" و "سيت" و"إيزيس" و"نفتيس".

عبادة الآلهة الملوك
كانت تعاليم كهنة إله الشمس تقضي بأن رع كان أول ملوك مصر، وخلفه التاسوع، وتلاهما حورس الذي كان الملوك الآخرون كلهم من سلالته. ولقد عُبد ملوك مصر باعتبارهم تجسيداً للآلهة، وكثيراً ما كان يظهرون في صورتها، وعلى الأخص في صورة حورس ذي رأس الصقر. وكان من واجب الملك الحفاظ على المعابد في حالة صالحة طيبة، كرمز لاحترامه أسلافه المقدسين.

أهمية نهر النيل
اعتمد المصريون على النيل في تزويدهم بالطعام، ففيضانة السنوي يجلب الطمي الخصيب الذي تزدهر به محاصيلهم، وقبل الفيضان وبعده، كانت تقام الطقوس لدعوة الآلهة للعون أو لشكرانهم عليه، حيث تستخدم تعاويذ السحر فيها لزيادة خصوبة التربة.

كانت الحيوانات التي تمنح رؤوسها أو أشكالها الكاملة للآلهة تعتبر مقدسة، فالقطة التي ارتبطت في بادئ الأمر "ببوباستس" إلهة النساء والأزياء والحب أصبحت أخيراً تمثلها. و"أوبت" إلهى فرس النهر الضخمة كان لها مهرجان سنوي في طسية، أما "سيبك" فكان إله التمساح الرهيب، كما بجلت أفعى الكوبرا باعتبارها حارسة المقابر.

الحياة بعد الموت
كان الموت واحتمال الحياة بعده الشغل الشاغل للمصريين، أكثر من أي شعب من الشعوب التي عاشت على الأرض، كانوا شعباً متفائلاً مفعماً بالحياة، لا يرغب في الاعتراف بأن الحياة يمكنها أن تنتهي أبداً. لذلك كرس المصريون القدماء قدراً هائلاً من فكرهم وطاقتهم، استعداداً للحياة فيما بعد القبر. وقد اعتقدوا في بادئ الأمر أن جسد الميت يعود الى الحياة في أوقات معينة، لذلك فلا بد من الاحتفاظ بالجسد كما هو عن طريق التحنيط، كما أنه لا بد من تزويد القبر بكل وسائل الترفيه وبالاحتياجات التي تتطلبها الحياة، ثم جاءت بعد ذلك فكرة أن "الكا" أو الروح، هي التي تعود للحياة. ومع هذه الفكرة اقترنت عقيدة المحاكمة أو الدينونة بعد الموت، وهي أكثر ما أسداه المصريون القدماء أهمية للفكر الديني، ويقوم بمحاكمة الأموات حكام بلاد الموتى، وهما (أمير الغرب) "أوزيريس" و "آنوبيس" الإله الذي له رأس ابن آوى، ولقد اعتاد ابن آوى نبش القبور في الصحراء، ولذلك اتخذ منه المصريون إلهاً، بأمل أن سوف يتوقف عندئذ عن هذا النشاط الشرير. ويوزن قلب الانسان الميت في كفة، بينما توضع ريشة في الكفة الأخرى (تمثل العدل والحق)، وأولئك الذين يخفقون في الاختبار إما أن يتركوا للوحوش تلتهمهم وإما أن يحكم عليهم بأن يولدوا من جديد كخنازير أو حيوانات دنيئة أخرى، أما الذين ينجحون فيعيشون مع الآلهة. ويقوم "توت" حاكم القمر والنجوم والفصول إله الحكمة الذي له رأس "أبيس" بتسجيل أسماء الموتى في لفة من أوراق البردى.

الإعداد المتقن
وكثيراً ما كان يمثل "منظر المحاكمة" هذا أثناء الطقوس الجنائزية، ويدوي الرد "برئ" بالنسبة الى جميع الأسئلة التي يوجهها الكاهن الذين يلعب دور أوزيريس، إذ كان من المعتقد أنه يمكن تجنب العقاب ببساطة بإنكار التهمة وباستخدام تعاويذ سحرية معينة. وفي بادئ الأمر، كان من المعتقد أن أعضاء الأسرة الملكية وحدهم هم الذي يحيون بعد الموت، ولكن الإيمان بالحياة الأخرى للناس أجمعين نشأ تدريجاً بعد ذلك، بمعنى أن إعداد المقابر والقيام بالطقوس الجنائزية قد ازدادا أهمية ليس بالنسبة للملك فحسب ولكن للجميع لتأمين طريق سالم أمام القضاة وخلال العالم الآخر. وكانت المقابر تعد بعناية قبل موت نزيلها بمدة طويلة، وكان يدفع لأقاربه أو أصدقائه مقدماً للجنازة وللعناية بالقبر بعد ذلك، لكن هذه الارتباطات كثيراً ما كانت تُنتهك، فتُنهب كنوز المقابر، بل إن قبور الفراعنة أنفسهم والمعتقد أنهم في مصاف الآلهة لم تُحترم ولاقت نفس المصير.

إيزيس وأوزيريس
ما زالت قصة إيزيس وأوزيريس -حفيدي رع- متداولة اليوم بين الناس، كما كانت منذ ثلاثة آلاف عام، فقد تزوج أوزيريس من أخته إيزيس (كما هي العادة في مصر القديمة)، وهكذا أشعلا نيران الغيرة في صدر أخيهما "ست" الذي كان مزيجاً بين الحمار والخنزير وكان إلهاً للشر، وبعد الزفاف بقليل أول "ست" وليمة عرض على ضيوفه فيها تابوتاً مليئاً بالزخارف الثمينة، ووعد بمنحه لمن يناسب قوامه تماماً. وكان التابوت قد صمم ليناسب أوزيريس وحده، وبمجرد رقاده فيه، أغلق "ست" مصراع التابوت بعنف، وألقى به في النيل. وقضت إيزيس شهوراً طوالاً محاولة العثور على جسد زوجها، وعندما نجحت أخيراً، استخدمت قدراتها السحرية لبعث الحياة في أوزيريس. ولقد وجد أوزيريس أنه لن يستطيع احتمال ضوء الشمس، لذلك عاد الى بلاد الموتى وأصبح حاكمها، وانضمت إليه إيزيس هناك، وأصبحت إلهى شمس الليل- أي الشمس بعد تصبح تحت الأفق. وعلى أية حال، لم تمض جريمة "ست" دون عقوبة، فلقد حارب حورس أو (هاربوقراط) ابن أوزيريس عمه "ست" وقتله، وهكذا انتقم لمقتل أبيه. وتتكرر ذكرى هذه القصة في موسم الحصاد، كلما حصدت أعواد القمح على ضفاف النيل، إذ أن ذلك يرمز لمقتل أوزيريس، بينما عودة المحصول الجديد للظهور يرمز لبعثه للحياة.

أكثر العقائد أهمية
تعتبر قصة إيزيس وأوزيريس أكثر التعبيرات الواضحة عن عقيدة المصريين القدماء في الحياة بعد الموت، فكما أن أوزيريس استطاع الحياة بعد الموت، فكذلك هم سيستطيعون. وغالباً ما كان يعبر عن الميت بأنه مع أوزيريس، بل قد يقال إنه قد أصبح أوزيريس. لكن أوزيرس كان يرمز لما هو أكثر من الحياة بعد الموت، فقد كان أيضاً قاضي الموتى، إذ كان المصريون القدماء هم أول من قدم نظرية عن العقاب في الحياة الأخرى، مقابل ما ارتكب من أفعال في الحياة الأولى، ويمكن تجنب العقاب على أية حال باستخدام الصلوت المناسبة أو التعاويذ السحرية في الطقوس الجنائزية، لكنه يبدو أن التمسك بالحياة القويمة في الأولى للحصول على نفس النهاية، أمر لم يكن في الاعتبار.

تم النشر بتاريخ: 22 أغسطس 2022
انسخ الرابطXfacebookwhatsapp