الصداقة في الزمن الرقمي
بعد انفجار التقنية الذي بتنا نشهده اليوم، باتت وسائل التواصل الرقمي تُجبرنا على إعادة التفكير وإعادة تصوّر طبيعة العلاقات الشخصية وعلى رأسها "الصداقة"، لا نغفل حقيقة أن التقنية أدت الى ظهور أنماط جديدة للعلاقات الإنسانية، فكيف يمكن أن تؤثر التقنية على الصداقة؟ وهل يمكن للصداقة أن تنجو في الزمن الرقمي السائل؟
عمق الصداقة فلسفي
يقدم لنا عالم الأنثروبولوجيا "مايكل جاكسون" نظرة عميقة لفلسفة الصداقة ومعانيها العميقة في الفكر، التي لا تقل أهمية عن القرابة وعلاقات الحب، ولكنها تختلف عنها الى حدّ ما، فليس من المصادفة أن اعتبر "أرسطو" الصداقة "فضيلة سياسية"، فيما اعتبر "ميشيل دي مونتين" الصداقة شكلاً من أشكال الحب، ومن خلال عمله اكتشف المعنى الحقيقي لصداقة الطفولة، والصداقات الوهمية والصداقات الأبدية.
صديق أم عدو؟
أدرك "جاك دريدا" من خلال كتابه "سياسة الصداقة" أن الصداقة اهتمام بالحياة، لكنه انبهر بعبارة أرسطو "يا أصدقائي، ليس هناك صديق"، فرغم تفسير البعض لها "أن من لديه أصدقاء كثر لا صديق له"، فإن دريدا عبر محاضراته يرى بأن هناك ما هو أعمق من ذلك، وهو ما يكمن في تناقض العبارة التي تشي بأن وجود أي صداقة يضمر بالضرورة "عداوة".
الصداقة الهشة وسيولة الحياة
يرصد "زيجمونت باومان" عبر "الحب السائل" هشاشة العلاقات الإنسانية في زمن الحداثة السائلة، ويقدم تصوراً مفاده أن ارتفاع وتيرة الاستهلاكية التي تولد الاحتياجات بشكل مستمر تحوّل كل قديم الى شيء مستهجن يستحق أن يوضع في سلة النفايات، بما في ذلك "الصداقة"، ومنه تحولت الصداقة الى سلعة تُستهلك وفق تاريخ صلاحيتها المحدد سلفاً عبر الرأسمالية.
صداقة "إعجاب، واشتراك، ومشاركة"
صاغ "باري ويلمان" مصطلح "الفردانية الشبكية"،وأظهر عبره غياب متانة الصداقة التي تتحول الى علاقة هشة بفعل التقنية، فالأصدقاء الرقميون حساسون جداً تجاه التفاعلات، حيث أمسى "زر الإعجاب" و"المشاركة" محدداً للصداقة من عدمها، كما يعد غياب التفاعل نهاية الصداقة والعلاقة، لنكون ضحايا هشاشة "الصداقة الرقمية" التي عوضت متانة "الصداقة الكلاسيكية".
صداقة "الإنستغرام" مهمة للفتيات
هل يمكن اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي خطراً دائماً؟ في الحقيقة هناك بعض الدرسات التي تثبت العكس وتكشف عن أهمية الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي في الصداقات المعاصرة، وفي هذا الصدد توضح "جاسمين ساندلسون"، مديرة الأبحاث في مختبر العدالة بجامعة كولومبيا، كيف وظفت الفتيات صداقات الهواتف الذكية للعثور على الاستقرار، واحتضان مرحلة البلوغ، ومعالجة الصدمة والحزن.
الصداقة و"التضامن الخفي"
تشير "ديبورا تشامبرز" المتخصصة في الدراسات الثقافية الى أن كلمة "الصداقة" تتمتع بجاذبية غير عادية، ومع ذلك فإن هذه الرابطة غير الرسمية المكثفة والحميمة يُعترف بها الآن بين صانعي السياسات في الدول الغربية بوصفها مورداً اجتماعياً أساسياً وجزء من "رأس المال الاجتماعي"، لكنها تتحول في ظل الروابط السائلة والعابرة التي تتميز بها الاتصالات الرقمية، رغم ما تمتلكه من "تضامن خفي" رقمي.