الوحدة القاتلة .. ظاهرة تهدد أوروبا

الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، مع أنه يحب أحيانا أن يكون وحيدا، كما أن هناك من يفضل أن يعيش وحده، لكن عندما يصبح الأمر شعورا سلبيا، ولا يجد الإنسان ونيسا مع حاجته لذلك، فإن الوحدة هنا تصبح ظاهرة خطيرة، مثلما يحصل اليوم في عدد من الدول الأوروبية. ⁣

شباب يحسّ بالوحدة
حتى تعلم: يشعر 57% من الشباب (ما بين 18-35 عاما) في الاتحاد الأوروبي بالوحدة المتوسطة إلى الشديدة. هذا الرقم الصادم كشفت عنه دراسة لمؤسسة "بيرتلسمان" الألمانية عام 2024، وقالت إن 17% من هؤلاء الشباب يعانون من الوحدة الشديدة. أظهرت الدراسة أن هذه النسبة تعادل تلك المسجلة لدى المسنين، لكن المسنين أقل شعورا بالوحدة إجمالا مقارنة بالشباب، فهم يستفيدون حالياً من تقنيات التواصل الاجتماعي، ولديهم عدة إمكانيات لنسج صداقات.

ظاهرة تمسّ نصف شباب أوروبا
أجريت دراسة مؤسسة "بيرتلسمان" على ست دول من الاتحاد الأوروبي، وقد أظهرت أن نصف الشباب - على الأقل في كل بلد يعانون من ظاهرة الوحدة. جاء شباب فرنسا على رأس قائمة الأكثر معاناة من الوحدة فظهر أن 40% منهم يعانون من الوحدة المعتدلة، و23% يعانون من الوحدة الشديدة. ترجع الدراسة أسباب الوحدة أساسا إلى المستوى التعليمي فقد وجدت أن ذوي المستوى المتدني من التعليم هم الأكثر معاناة من الوحدة، أما ذوو المستوى الأعلى، فلديهم قدرات أفضل على إقامة علاقات اجتماعية.

فرق بين الوحدة وبين الإحساس بها
ليس كل من يعيش وحده يشعر بالوحدة، فالدراسات تتحدث عن شعور سلبي بالوحدة، يتأثر بنوع العلاقات الاجتماعية وحجمها. حسب تعريف في مركز أبحاث تابع للمفوضية الأوروبية، فإن الشعور بالوحدة العاطفية سببه الافتقار إلى علاقة ذات مغزى مع إنسان مهم آخر، أو مع صديق مقرب. في المقابل، فإن الشعور بالوحدة الاجتماعية يعني أن الإنسان لديه شبكة اجتماعية لكنها غير كافية، فليس له ما يكفيه من الأصدقاء أو الجيران أو الزملاء. يمكن أن يكون هذا الشعور مؤقتا أو ظرفيا، لكن يمكن أن يصبح حالة مزمنة، ويمكن أن تختلف شدته من إنسان إلى آخر.

مأساة في هولندا
يتذكر الهولنديون اكتشاف جثة امرأة مسنة في منزلها، بعد وفاتها بعشر سنوات، وقد كانت تعيش وحيدة في بيتها بمدينة روتردام. أظهرت التحقيقات أنها قد أصابتها صدمة نفسية مبكرة، وقطعت اتصالها بطفلها الوحيد، وتوفيت عام 2003، لكن بقيت "حية" في الفواتير المسجلة باسمها، وكذلك في المعاش التقاعدي، ولم تكتشف جثتها إلا عندما احتاج عمال الغاز للدخول إلى شقتها. دفع هذا الحادث عددا من منظمات المجتمع المدني إلى إطلاق حملة لمكافحة ظاهرة العزلة بين الناس، لاسيما المسنين، فهم أكثر عرضة للوفاة.

خطر على الحياة
أكدت دراسة أمريكية صدرت عام 2024، أجراها فريق بحثي متخصص في علم النفس بجامعة أريزونا، أن الشعور بالوحدة خطر على حياة الإنسان، ويزيد احتمالات إصابته بالأمراض والاكتئاب، والمشاكل الصحية المزمنة، والوفاة المبكرة. وتثبت الدراسة أن خطورة الوحدة توازي خطورة التدخين على صحة الإنسان، وقد قال "فرانك إنفورا" - أخصائي علم النفس بالجامعة - إن رغبة الإنسان في الانتماء إلى مجموعة ما، يشبع احتياجات أساسية وغريزية لدى عامة البشر، وعندما لا يتحقق هذا الانتماء، يكون الإنسان عرضة لعواقب صحية وخيمة.

الوحدة تسرع الشيخوخة
الشعور بالوحدة قد يسرع الشيخوخة أكثر من التدخين، وفق دراسة حديثة نشرت نتائجها عام 2022 في مجلة "إجينغ" الأمريكية، فالوحدة من العوامل التي تساهم في زحف الشيخوخة بما يصل إلى 20 شهرا، وهذا أكثر بـ 5 أشهر من تأثير التدخين. وقال "دوغلاس نيميسك"، كبير المسؤولين الطبيين للصحة السلوكية في شركة التأمين والرعاية الصحية الأمريكية "سيغنا"، إن الوحدة قد تكون أكثر خطورة من السمنة، ولها تأثيرات على زيادة معدل الوفيات.

حلول لمواجهة الظاهرة
تحاول مبادرات من السلطات والمنظمات غير الحكومية مواجهة . ظاهرة العزلة، لا سيما بين المسنين، وذلك بتشجيع من يعيشون وحدهم على التنقل شبه اليومي إلى تجمعات مع نظراء لهم، أو مطالبتهم باتصال رقمي شبه دائم مع فرد واحد على الأقل، وتنظيم رحلات لهم، أو تمكينهم من العيش في دور المسنين. أما الشباب، فتنصح منظمة "بيرتلسمان" الألمانية بإشراكهم منهجيا في المشاورات السياسية، وتعزيز مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية، وخلق برامج للتبادل الدولي.

تم النشر بتاريخ: 27 يناير 2025
انسخ الرابطXfacebookwhatsapp