سيف العرب حر لا يهان، هذا ما قاله صلاح الدين الأيوبي حينما تجرأ أحدهم ووصف سيفه الدمشقي بـ"المهلهل". السيف الدمشقي يحمل من العراقة والتفرد ما جعل ملوكاً وأمراء يستعينون بحرفيين من دمشق لنيل شرف اقتناء قطعة منه وكان لهم ما أرادوا .. فما هو سر شهرة السيف الدمشقي؟
صناعة السيوف الدمشقية تعود الى زمن بعيد، يُعتقد أنه بدأ في عصر الإمبراطور الروماني "ديوكلتيانوس" وبقيت صناعته حكراً على مدينة دمشق الى أن اجتاحها القائد المغولي "تيمورلنك" عام 1401 وأخذ معه أمهر الحرفيين في مجالات مختلفة واحد منها كان صناعة السيوف الدمشقية، وجاء بعد ذلك الأتراك الذين أخذوا بدورهم أمهر صانعي السيوف الى اسطنبول، أما الأوروبيون فلم يتعرفوا عليها إلا بعد احتكاكهم مع العرب في الحروب الصليبية.
السيف الدمشقي تميز عن غيره من السيوف بكونه صلباً ومرناً في آن معاً، فهو قوي للحد الذي يسمح للمقاتل بالقضاء على خصمه، ومرن للدرجة التي يتم التحكم به بسهولة خاصة أن وزنه خفيف نسبياً وهو قادر على تحمل التغيرات الكبيرة بدرجات الحرارة دون أن يؤثر ذلك على شكله أو حتى خصائصه. يتكون السيف من 3 أجزاء؛ الأول هو النصل الذي يكون مستقيماً في أحيان ومقوساً في أحيان أخرى، ومقبض يحمل النصل، والغمد الذي يحمي النصل. ويُصنع كل واحد من أجزائه الثلاثة من مواد مختلفة، فالنصل يصنع عادة بلحم قطع من الحديد غير المعالج مع الفولاذ فبعد صهر الكتلة يتم طرقها حتى تصل لعدد الطبقات المرغوبة وتضاف لها تموجات تمنحه القوة والصلابة وهذا فن لا يجيده الكثيرون ويعتمد على مهارة الحداد، أما المقبض فيصنع من عظام الحيوانات أو قرونها أو خشب الجوز القاسي ويغلف بجلد طبيعي وظيفته حماية يد المقاتل من التعرق ويساعده على ثبات يده ويقيه من ضربات المقاتلين، وأخيراً الغمد الذي يصنع من الخشب وتثبت عليه صفائح من الفضة أو النحاس المطلي بالذهب ويكون أطول وأعرض قليلاً من النصل ليغطيه. هذه هي التركيبة الأساسية للسيف الدمشقي، لكن الحرفيين يلجأون لتزيين أجزائه إما بالأحجار الكريمة أو نقش أبيات شعرية أو آيات قرآنية على السيف نفسه وذلك حسب رغبة الزبون.
تلك الأسرار بقيت حكراً على عائلات صانعي السيوف الدمشقية لأجيال وأجيال، فلم يكن شائعاً أن ينقل الحرفي أسراره سوى لأبنائه أو أحفاده، وحتى عندما ذهبوا لبلاد أخرى لم يشاركوا أسرار الصناعة مع أحد، وحاول الأوروبيون وحتى الروس إجراء الكثير من التجارب ليصلوا لسر صناعته لكنهم فشلوا. اليوم فقد السيف الدمشقي صفته الحربية وأصبح يُهدى للملوك والأمراء كناية عن الأصالة والعراقة، ويوجد تمثال كبير له في واحدة من اشهر ساحات دمشق وهي ساحة الأمويين.